المبحث الثاني: التحديات التي تواجه التعليم وآثارها
المدارس التعليمية تشهد قفزات اطرادية من حيث عددها, فهي تنمو وتنتشر كالفطريات, ولا تخضع للتّنسيق التام فيما بينها, ولا تسير حسب خُطّة مرْسومة, بل إنّ أغلبها ليست على دراية تامة بمُهمّتها, مع فقدان مصادر التّمويل التي تُمثّل أعظم عقبة تعيق تقدم التعليم العربي الإسلامي بالتزامن مع العَدْوَى التي تسرّبت إليها, ألا وهي الفساد الإداري. كل هذه العوامل جعلت التعليم العربي الإسلامي في المنطقة يمر بأصعب مراحله منذ وجوده, ولئن كان يُشعر التعليم العربي الإسلامي الناظرَ في الوهلة الأولى بالنّجاح, إلا أن الواقع خلاف ذلك, إذن فما هي التحديات التي أثرت سلبا على التعليم العربي الإسلامي في مالي ؟ وما هي آثارها ؟
المطلب الأول: التحديات الداخلية:
أوّلا ــ غياب التمويل وآثارها:
1. غياب التمويل: إنّ أعظم عقبة تعيق تقدُّم التعليم العربي الإسلامي في دولة مالي هي فقدان مصادر التمويل وغيابها بالنسبة لهذه المدارس, ونقصد بفقدان مصادر التمويل, أي أنه ليس للمدارس مشاريع خيرية لمساندتها, كجمعيات خيرية من أبناء الوطن, كما لا يوجد كذلك تضافر الجهود من أبناء الدولة لمساندة المدارس التعليمية, إلاّ أنّ أبناء طوبى استطاعوا أن ينشئوا جمعية تقوم بإكمال عجز المدرسة, وتتكفل بلوازم المدرسة.
وأمّا الوقف الإسلامي فحدِّث عنه ولا حرج, فجانب الوقف رغم أهميته في مساعدة المدارس, كان
جانبا مُهملا عند المثقفين, مديرين وأساتذة, هذا الجانب المهم كان منسيا في خارطتهم, هذا على حد قول أصحاب الميدان. مع العلم أنّ بإمكان الوقف القيام بحل الكثير مما تعاني منه المدارس, وقد أثبت جدواه في كثير من الدول العربية, بل حتى الغربية, وكمثال على ذلك دولة الولايات المتّحدة الأمريكية, فإنّ المؤسسات الوقفية والتبرعية تقدِّم 26 % من مجموع الخدمات التعليمية, بلغ هذا الحدّ عام 1989م, هذا حال إحدى الدول الغنية, فكيف بدولة قليلة الإمكانيات. وأما مدارسنا فقد سبق الإشارة إلى أنّها لا تعتمد إلاّ على رسومات الطلبة التي لا تفي بالغرض.
عدم وجود مصادر تمويلية لهذه المدارس سوى الرسومات التي يؤديها التلاميذ, من أهم الأسباب في معاناة المدارس منذ نشأتها إلى يومنا هذا, ولقد سبق بيان عدم كفايته, بالإضافة إلى بعض الصعوبات في تسديده, لذا كان من المسلّم به أنّ أكبر أزمة للمدارس هي أزمة مادة يعني أزمة تمويل, فالمدارس تحتاج إلى التمويل المستمر, لذا كان الوقف المـُمول الرئيس للمؤسسات التعليمية ولا يزال كذلك, فلولاه لما قام للتعليم قائمة, وأمّا أفراد مجتمعنا ما لهم مساهمة لأجل النهوض بالتعليم, فنتجت عن ذلك آثار سلبية.
2. الآثار المترتبة عن غياب التمويل: تتجلى الآثار الناتجة عن فقدان مصادر التّمويل المستمر في عدة مظاهر من أهمها ما يلي:
1) سوء أوضاع الموارد غير البشرية في المدارس التعليمية بدءا بالمباني، حيث أثبتت الإحصائيات في العام 1996-1997 أن 50% من فصول هذه المدارس مبنية بالطين أو من الأكواخ الخشبية, فهذا
ممّا يُعرقل مسيرة التدريس في بعض الأحيان، وخاصة في فصل الأمطار قبل الدخول في عطلة
الصيف, والأدهى من هذا أن تجد المباني غير صحية تفتقد التهوئة والإضاءة.
أما وسائل التعليم فإن أكثرية المدارس تقتصر على السبورة السوداء والطبشور، وبعضها تقع في أزمة الطباشير أحيانا، وهذه الظروف لا تساعد على التعلّم، وإنّما تفقد الدافعية لدى الأطفال.
2) تواضع أجور المدرّسين: توجّه سهم فقدان المصدر التمويلي إلى فئة المدرّسين في المقام الأوّل, ويبدو أنّهم كانوا هم الضحيّة, مع العلم أنّ المدرّس هو الرّكن الأساسي في المدرسة, فهو المـُرَبّي والأب الثاني للتّلميذ, فبه يَقتدي الطلبة, ولكن رغم كلّ ذلك فإنّنا نرى أجرتهم زهيدة إلى درجة غير معقولة, ولا شكّ أنّ السبب الأول هو كون الرّسوم لا تفي بالغرض, فأجرة الأساتذة تتفاوت بين المراحل الدّراسية, وأغلبها تتراوح مابين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف سيفا/ 25 إلى 30 أورو شهريا, مع العلم أنّه يدرّس في كامل الأسبوع ما عدا أيام العطل الأسبوعية والدراسية, وقد يبلغ عدد تلامذته من عشرين إلى أربعين وحتى الستين, هذا في المرحلة الأساسية, وهذا ممّا تسبب في ضعف معنويات المدرسين في المدارس العربية الإسلامية.
فبناء على ما سبق يمكن القول إنّ قلّة أجور المدرسين يعود إلى غياب الوقف, وإلى تهاون بعض القائمين على هذه المدارس. فقلة أجرة الأستاذ وتهاون بعض المديرين في أداء حقوق المدرّس يؤدّيان إلى ضُعف معنويات المدرّس, فجعل البعض منهم يتهاون هو بدوره في أداء مهمّته فلا يمارس التدريس على أساس أنّه رسالة, إذن فلا يُولي اهتماما كبيرا بالمدرسة.
3) الاكتفاء بأساتذة قليلين: لجأت المدارس إلى الاكتفاء بأساتذة قليلين لنقص العامل التمويلي, وخاصة أساتذة اللغة الأجنبية (الفرنسية والإنجليزية), فكثير من المدارس لا تدرّس هذه المواد كما ينبغي, ليس لأنّهم يرغبون عنها ولكن لقلّة الإمكانات, ففي براولي (معهد الدّراسات الإسلامية) عدد الأساتذة عندهم 32 مُدرّسا فلو كانت الإمكانيات كافية لبلغ العدد على الأقل 40 أستاذا, لأن مدرسي اللغتين الفرنسية والإنجليزية قليلون جدا,, فنتج عنه ضعف المستوى لدى الطلبة, وخاصة في اللغة الأجنبيّة, وهذا لا يخصّ مدرسة بعينها.
يبدو أنّ الرسوم الدراسية التي تمثل الممول الرئيسي للمدارس لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تغطي تكاليف التسيير من كهرباء وماء ومستلزمات الإدارة هذا بالنسبة للذين منّ الله عليهم وقليل ما هم, ناهيك عن تسديد رواتب المدرسين؛ لذا خرجت الندوة الوطنية لدراسة مشكلات المدارس العربية المنعقدة بتاريخ 3/8/1992م بتوصيات, من أهمها: تقديم الدعم المادي للمدارس العربية الأهلية للمصلحة العامة.
ثانيا ــ الفساد الإداري ومظاهره:
كانت المراكز التعليمية قديما تُنشأ لأجل التربية في المقام الأول قبل التعليم, وكانت تغرس الفضائل, يستوي فيه الطالب والأستاذ, ولكن مع الأسف الشديد لم نعد نلمسها في أرض الواقع في كثير من المدارس, ولم تَعُد تُوَفّر الغرض الديني. المدارس العربية الإسلامية عندنا أغلبها مدارس لغوية وليست مدارس دينية, لذا لا تخَرِّج أغلبها طلبة متديّنين؛ لأنّهم لم يتلقوا تكوينا دينيا, وهذا مما يجعل الكثير منهم يفضّل المصلحة الفردية على مصلحة الجماعة, لذا إذا عمل هؤلاء الخريجون معلّمين فلا يرون إلاّ المال.
فالمشكلة الخطيرة التي تُهَدِّدُ هوية المستعربين بصفة عامة, المثقف منهم والتلميذ على حدٍّ سواء, هي الأنانية, يعني طغيان المصلحة الشّخصية دائما على المصلحة العامة, والتي لا بُدّ من ذكرها, فالقضية تشملنا جميعا, وما أُبّرِئ نفسي, فنجاح أي مشروع مرهون بإخلاص هيئة التدريس, وإخلاص المعلمين أولا, وكدليل على ذلك, هو ارتفاع مستوى بعض المدارس التي لها إمكانيات بسيطة على بعض المدارس التي لها إمكانيات لا بأس بها.
ويمكن تلخيص مظاهر الفساد الإداري إلى نقاط تندرج تحت العملية الاستبدادية.
القرآن الكريم يَحُثُّ على مبدإ الشورى في العمل الجماعي, لذا لا يتم حسن تسيير المدرسة من رأي فردي فقط, فنجاح المؤسسات التعليمية أو التجارية مرهون بتبادل التجارب والخبرات بين المدير وعُمَلائه, فما استبد شخص بشركة أو مدرسة إلاّ نزلت في الحضيض, كما أن المدارس تؤسَّسُ من قبل أفراد ويتم تسييرها من طرف مؤسسيها, فصاحب المدرسة يُسمى بالمـُدير حتى إن لم تكن له كفاءة علمية, ولكن إذا شعر بعدم كفاءته يستعين بمن له كفاءة, فيسمى ذلك الكُفْءُ بمـُدير التعليم, فلم تعد المدارس خاضعة للمراقبة, والمدير ليس مقيَّدًا, فالذي يقيده هو إيمانه فقط, وهذا مما جعل البعض منهم لا يتورع في أكل أموال الناس بغير حق, فيهتم بحاجاته الشخصية, وقد يتهاون أيضا في أداء أجرة المدرِّس؛ هذا التصرُّف جعل المدرِّس لا يهتم بالمدرسة, وهو بدوره أيضا لا يؤدي وظيفته كما ينبغي, فعدم إيماننا هو الذي حملنا على تصرفات يندى لها الجبين, هنا لا أُعمِّم, حيث يوجد من المديرين من يَحرم نفسه من الأجرة أعني الرسوم المحصلة لصالح المدرِّس, ويشهد المدرسون على ذلك. وقدّموا الغالي والنفيس لأجل المجتمع, شكر الله سعيهم, هم من الذين ذكرهم الله في قوله تعالى:ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭼ [ الأحزاب: ٢٣ ].لا نغمط حقّهم, ونقول لهم قول الله تعالى: ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ [محمد: ٤]. وجهاد هؤلاء جهاد بالعقول وهو لا يقلُّ درجة عن الجهاد بالأرواح والنّفوس, وقد رأينا مدارس مثالية من النّاحية الاقتصادية والإدارية, ولكن ما لبثت أن سقطت. لماذا؟ لأنّ المدير عادة ما يستبد بجميع مرافق المدرسة, وتظهر لنا هذه العملية الاستبدادية في:
1- احتكار الكتب:
إن الأمر المؤلم الذي تذوب منه القلوب الحية كمدا, في هذه الظروف الصعبة والمحرجة, خاصة وقت ندرة الكتب والمراجع, وأخص بالذكر المكتبات, هو ظاهرة احتكار الكتب, وهذا الأمر لا يجادل فيه اثنان ممن يعايش الواقع, فقد تأتي بعض الكتب من الدول العربية والإسلامية, أو من وزارة التربية, أو جمعية الدعوة الإسلامية العالمية لتُوزّع على المدارس فبعض المديرين يدَخِّرُون هذه الكتب ولا يظهرونها إلى النّور, ولا يوزعونها على التلاميذ لكي يستفيدوا منها, فعوض أن تُجمَع لتُكوّن بها مكتبة للمدرسة, تُكَدَّس في المنازل, لتصبح زينة للخزانة, ومسرحا للفئران, فلا يستفيدون ولا يتركون للآخرين فرصة الاستفادة, هذه الظاهرة نتيجة للمرض الذي أشرنا إليه سابقا, ألا وهو الأنانية التي تتنافى مع الإيمان وحب الخير للآخرين, والبعض كذلك يوزّعها على التلاميذ, فيستفيدون منها ثمّ يُرجعونها في نهاية السنة الدراسية, ليستفيد منها الذين يأتون من بعدهم.
2- بيع المنح الدراسية:
إنّ شيوع بعض التصرفات التي يندى لها الجبين, وتأباها النّفوس الكريمة, وتُعَدّ خروجا عن الفطرة الإنسانية السليمة, دليل على قلّة الإيمان, والأمر يتعلق هنا بالمنح الدراسية, يعني منحة الالتحاق بالجامعة, وتأتي غالبية هذه المنح من الدول العربية, وخاصة دول الخليج, فالأولوية للمستحق, ولكن الواقع خلاف ذلك, إذ تعطى هذه المنح لذوي المستويات الضعيفة من أرباب الأموال, فيتحصل الطالب على المنحة الدراسية بمبلغ يقدِّمه إلى جهة معيّنة, ويُقصى الفقير المجتهد, وإنّ هذا عين القضاء على التعليم , ودليل على عدم إخلاصنا له, إنّ المنح تشترى بالمال, ولكن العلم لا يشترى ولا يُوهَب بل يُكتسَب, ولكن في الحقيقة, قد يكون لبيع المنح تبريرات محتملة, وهي:كون رسوم المدارس لا تكفي للقيام بالتكاليف المطلوبة للمدرسة وغياب المساعدات المادية للمدرسة, سواء من الداخل أم من الخارج، فيضطر لبيع المنح ليطور المدرسة منها.
إنّ ظاهرة الاستبداد لم تَعُد خافية, ولكن السؤال المطروح, ما هي الأسباب التي فرضت ذلك ؟ أليست هذه التصرفات قد تكون لها تبريراتها التي تجعل من حق المدير أن يستبدّ بالمدرسة بأكملها, كتحمّلهم كلّ تكاليف المدرسة؟ فعندما يصبح المردود قويا يؤثرون أنفسهم, غير أن هذه التبريرات ليست حجّة, فقد ثبت أنّ كثيرا من المدارس المثالية سقطت باستبداد المدير, إذن فالمدير نفسه سيسقط.
ثالثا ــ غياب التعاون بين المديرين:
القرآن الكريم يؤكد على مبدإ التعاون, وهو يلعب دورا أساسيا في تقدُّم المجتمعات والمؤسسات وتطويرها, وبالتعاون تكون النتائج مُثمرة, ولكن رغم كلّ هذا نرى فكرة التعاون والعمل الجماعي غائبة عن المؤسسات التعليمية في دولتنا, فهذا مما يزيد من مُعاناة المدارس, فإدارة كل مدرسة تُسَيّر شؤونها دون تعاون مع غيرها, وهذا يسبب عراقيل في سيرها وتطورها. فما المانع من التعاون؟ الجواب هو الذي سبق الإشارة إليه سابقا, يعني حبّ الذات التي تعبّر عن الأنانيّة التي كلفتنا الكثير ولا يزال الأمر كذلك, فأصبح كلّ مدير يسعى لتطوير مدرسته دون أن يهتم بالمؤسسات الأخرى, وكثيرا ما إذا سنحت الفرصة للمساعدات الخارجية فبعض المديرين يَسُدُّ الطريق في وجه المدارس الأخرى, وهكذا تطغى المنافع الشخصية على المصالح العامة.
من حق كلّ مدير أن يهتم بمدرسته اهتماما بالغا, وفي نفس الوقت يتعاونون فيما بينهم, ليعُمَّ النفع.
التعاون شيء ضروري وأكيد ولكن على ماذا يتعاونون؟ يتعاونون لإيجاد خطة عملية؛ لكون أكثر المدارس ليست لديها خطة عملية تسير على هداها, وهذا ما أشار إليه الخضر. ولماذا ليست لديها خطة عملية؟ لأنها لا تسير وفق أهداف مهددة, بل أغلبها تنتشر كالفطريات.
والدليل الذي يثبت صحة عدم التعاون الجاد هو: أنّ جمعية اتحاد المدارس لم تستطع إنشاء كلية على الأقل, وهذا أضعف الإيمان, ولو خططت جمعية اتحاد المدارس لإنشاء كليّة بحيث تشترك في إنشائها كل المدارس لكان الأمر سهلا بالنسبة إليهم, ودليل ذلك أنّ دار القرآن والحديث بطوبى فتحت كلية لوحدها وإن كان متواضعا, فكيف يعجز اتّحاد المدارس عن ذلك؟
مدينة سيقو التاريخية التي أُسِّست فيها أول مدرسة أهلية عام 1947م, قبل زمن مغادرة الفرنسيين دولة مالي 1960م ظهرت مشكلة التعليم في سيقو منذ ذلك الحين, يعني عند نشأتها فعندما أنشأ المشايخ مدرسة لم يلبثوا حتى اختلفوا فيها وتفرقوا, ولكن مع الأسف الشديد حتى إلى يومنا هذا لم تستطع مدرسة أن تُكَوِّن ثانوية, ولا المدارس بأكملها, لذلك سماه البعض بالفاضحة, فالثانوية موجودة في كل الأقاليم, وعاصمة الإقليم لا تتوفر فيها ولو ثانوية واحدة, هذا عيب والله!, وكيف يشرح صدورنا وقد جُبلنا على الأثرة, فقد آن أوان الإشفاق على مجتمعنا وعلى طلبة العلم الذين ينتمي غالبيتهم إلى الطبقة الفقيرة, وأن ننظر إلى مصلحة المجتمع والأمة, فمن يفعل ذلك فلن يضل الله أعماله وآماله,
رابعا ــ صعوبة تطبيق المنهج الجديد:
المنهج الجديد الذي تم إعداده في السنوات الأخيرة وذلك بتعاون الحكومة مع بعض المتخرجين, لوضع برنامج وطني, وهذا البرنامج متطور نوعا ما, ولكن تطبيق المنهج في أرض الواقع شيء آخر, فالخلل الذي ظهر هو صعوبة تطبيق المنهج, لقلة كتب المراجع، وقد أكّد على ذلك الأساتذة , البرامج على العموم لو طبقت كما ينبغي لا شك أنها تؤتي أكلها في المستقبل ولكن تطبيق المنهج لا يمكن إلاّ إذا توفرت الوسائل. فتدل هذه الأقوال على عدم تطبيق المنهج لدى كثير من المدارس.
يرجع سبب صعوبة تطبيق المنهج إلى ندرة المراجع والكتب, وبناء على هذا يمكن لنا القول إن المنهج الجديد لم ير النور حتى الآن, إِذْ لا فائدة من وجود منهج لا يمكن تطبيقه, وكيف يكون المنهج جيدا ولا توجد مراجعه في المتناول, فرأي القائلين إنّ المنهج جيد رأي مُحترم, إلاّ أنه يظهر ع**** ذلك؟ لأنّ الحكم على الشيء يتطلب منا النّظر إليه من عدة جوانب, فمنها: النّظر إلى المحتوى, لنتحقق من قيمته, والنّظر كذلك إلى مدى إمكانية تطبيق الفكرة على أرض الواقع.
فيبدو أنّ المنهج الجديد, أصبح كمجهودات ضائعة, ما لم تتوَفَّر المراجع لتسهيل التّطبيق, لذلك يظهر أنّ مشكلة المنهج ما زالت قائمة, لأنّ المدارس التي لا تملك إمكانيات كبيرة ما زالت تكتفي بالكتب المتاحة لديها لتُكَوِّن منها منهجها ومقرراتها الدّراسية.
فبناء على ما سبق يمكن القول في النهاية إنّ التعليم العربي الإسلامي في مالي بصفة عامة, يمُـرّ اليوم على أصعب الظروف في تاريخ وجوده, لعدم كفاية الموارد المالية له, وبالإضافة إلى عدم التّنسيق المحكم بين المدارس التّعليمية, وكذلك عدم وجود خطة عملية تسير عليها, بالإضافة إلى ندرة الكتب والمراجع للمنهج الجديد بغَضّ النّظر عن محتواه, كل هذه العوامل جعلتْ مُؤَشِّر التعليم العربي في مالي في حالة هبوط مستمر.
المدارس التعليمية تشهد قفزات اطرادية من حيث عددها, فهي تنمو وتنتشر كالفطريات, ولا تخضع للتّنسيق التام فيما بينها, ولا تسير حسب خُطّة مرْسومة, بل إنّ أغلبها ليست على دراية تامة بمُهمّتها, مع فقدان مصادر التّمويل التي تُمثّل أعظم عقبة تعيق تقدم التعليم العربي الإسلامي بالتزامن مع العَدْوَى التي تسرّبت إليها, ألا وهي الفساد الإداري. كل هذه العوامل جعلت التعليم العربي الإسلامي في المنطقة يمر بأصعب مراحله منذ وجوده, ولئن كان يُشعر التعليم العربي الإسلامي الناظرَ في الوهلة الأولى بالنّجاح, إلا أن الواقع خلاف ذلك, إذن فما هي التحديات التي أثرت سلبا على التعليم العربي الإسلامي في مالي ؟ وما هي آثارها ؟
المطلب الأول: التحديات الداخلية:
أوّلا ــ غياب التمويل وآثارها:
1. غياب التمويل: إنّ أعظم عقبة تعيق تقدُّم التعليم العربي الإسلامي في دولة مالي هي فقدان مصادر التمويل وغيابها بالنسبة لهذه المدارس, ونقصد بفقدان مصادر التمويل, أي أنه ليس للمدارس مشاريع خيرية لمساندتها, كجمعيات خيرية من أبناء الوطن, كما لا يوجد كذلك تضافر الجهود من أبناء الدولة لمساندة المدارس التعليمية, إلاّ أنّ أبناء طوبى استطاعوا أن ينشئوا جمعية تقوم بإكمال عجز المدرسة, وتتكفل بلوازم المدرسة.
وأمّا الوقف الإسلامي فحدِّث عنه ولا حرج, فجانب الوقف رغم أهميته في مساعدة المدارس, كان
جانبا مُهملا عند المثقفين, مديرين وأساتذة, هذا الجانب المهم كان منسيا في خارطتهم, هذا على حد قول أصحاب الميدان. مع العلم أنّ بإمكان الوقف القيام بحل الكثير مما تعاني منه المدارس, وقد أثبت جدواه في كثير من الدول العربية, بل حتى الغربية, وكمثال على ذلك دولة الولايات المتّحدة الأمريكية, فإنّ المؤسسات الوقفية والتبرعية تقدِّم 26 % من مجموع الخدمات التعليمية, بلغ هذا الحدّ عام 1989م, هذا حال إحدى الدول الغنية, فكيف بدولة قليلة الإمكانيات. وأما مدارسنا فقد سبق الإشارة إلى أنّها لا تعتمد إلاّ على رسومات الطلبة التي لا تفي بالغرض.
عدم وجود مصادر تمويلية لهذه المدارس سوى الرسومات التي يؤديها التلاميذ, من أهم الأسباب في معاناة المدارس منذ نشأتها إلى يومنا هذا, ولقد سبق بيان عدم كفايته, بالإضافة إلى بعض الصعوبات في تسديده, لذا كان من المسلّم به أنّ أكبر أزمة للمدارس هي أزمة مادة يعني أزمة تمويل, فالمدارس تحتاج إلى التمويل المستمر, لذا كان الوقف المـُمول الرئيس للمؤسسات التعليمية ولا يزال كذلك, فلولاه لما قام للتعليم قائمة, وأمّا أفراد مجتمعنا ما لهم مساهمة لأجل النهوض بالتعليم, فنتجت عن ذلك آثار سلبية.
2. الآثار المترتبة عن غياب التمويل: تتجلى الآثار الناتجة عن فقدان مصادر التّمويل المستمر في عدة مظاهر من أهمها ما يلي:
1) سوء أوضاع الموارد غير البشرية في المدارس التعليمية بدءا بالمباني، حيث أثبتت الإحصائيات في العام 1996-1997 أن 50% من فصول هذه المدارس مبنية بالطين أو من الأكواخ الخشبية, فهذا
ممّا يُعرقل مسيرة التدريس في بعض الأحيان، وخاصة في فصل الأمطار قبل الدخول في عطلة
الصيف, والأدهى من هذا أن تجد المباني غير صحية تفتقد التهوئة والإضاءة.
أما وسائل التعليم فإن أكثرية المدارس تقتصر على السبورة السوداء والطبشور، وبعضها تقع في أزمة الطباشير أحيانا، وهذه الظروف لا تساعد على التعلّم، وإنّما تفقد الدافعية لدى الأطفال.
2) تواضع أجور المدرّسين: توجّه سهم فقدان المصدر التمويلي إلى فئة المدرّسين في المقام الأوّل, ويبدو أنّهم كانوا هم الضحيّة, مع العلم أنّ المدرّس هو الرّكن الأساسي في المدرسة, فهو المـُرَبّي والأب الثاني للتّلميذ, فبه يَقتدي الطلبة, ولكن رغم كلّ ذلك فإنّنا نرى أجرتهم زهيدة إلى درجة غير معقولة, ولا شكّ أنّ السبب الأول هو كون الرّسوم لا تفي بالغرض, فأجرة الأساتذة تتفاوت بين المراحل الدّراسية, وأغلبها تتراوح مابين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف سيفا/ 25 إلى 30 أورو شهريا, مع العلم أنّه يدرّس في كامل الأسبوع ما عدا أيام العطل الأسبوعية والدراسية, وقد يبلغ عدد تلامذته من عشرين إلى أربعين وحتى الستين, هذا في المرحلة الأساسية, وهذا ممّا تسبب في ضعف معنويات المدرسين في المدارس العربية الإسلامية.
فبناء على ما سبق يمكن القول إنّ قلّة أجور المدرسين يعود إلى غياب الوقف, وإلى تهاون بعض القائمين على هذه المدارس. فقلة أجرة الأستاذ وتهاون بعض المديرين في أداء حقوق المدرّس يؤدّيان إلى ضُعف معنويات المدرّس, فجعل البعض منهم يتهاون هو بدوره في أداء مهمّته فلا يمارس التدريس على أساس أنّه رسالة, إذن فلا يُولي اهتماما كبيرا بالمدرسة.
3) الاكتفاء بأساتذة قليلين: لجأت المدارس إلى الاكتفاء بأساتذة قليلين لنقص العامل التمويلي, وخاصة أساتذة اللغة الأجنبية (الفرنسية والإنجليزية), فكثير من المدارس لا تدرّس هذه المواد كما ينبغي, ليس لأنّهم يرغبون عنها ولكن لقلّة الإمكانات, ففي براولي (معهد الدّراسات الإسلامية) عدد الأساتذة عندهم 32 مُدرّسا فلو كانت الإمكانيات كافية لبلغ العدد على الأقل 40 أستاذا, لأن مدرسي اللغتين الفرنسية والإنجليزية قليلون جدا,, فنتج عنه ضعف المستوى لدى الطلبة, وخاصة في اللغة الأجنبيّة, وهذا لا يخصّ مدرسة بعينها.
يبدو أنّ الرسوم الدراسية التي تمثل الممول الرئيسي للمدارس لا تسمن ولا تغني من جوع، ولا تغطي تكاليف التسيير من كهرباء وماء ومستلزمات الإدارة هذا بالنسبة للذين منّ الله عليهم وقليل ما هم, ناهيك عن تسديد رواتب المدرسين؛ لذا خرجت الندوة الوطنية لدراسة مشكلات المدارس العربية المنعقدة بتاريخ 3/8/1992م بتوصيات, من أهمها: تقديم الدعم المادي للمدارس العربية الأهلية للمصلحة العامة.
ثانيا ــ الفساد الإداري ومظاهره:
كانت المراكز التعليمية قديما تُنشأ لأجل التربية في المقام الأول قبل التعليم, وكانت تغرس الفضائل, يستوي فيه الطالب والأستاذ, ولكن مع الأسف الشديد لم نعد نلمسها في أرض الواقع في كثير من المدارس, ولم تَعُد تُوَفّر الغرض الديني. المدارس العربية الإسلامية عندنا أغلبها مدارس لغوية وليست مدارس دينية, لذا لا تخَرِّج أغلبها طلبة متديّنين؛ لأنّهم لم يتلقوا تكوينا دينيا, وهذا مما يجعل الكثير منهم يفضّل المصلحة الفردية على مصلحة الجماعة, لذا إذا عمل هؤلاء الخريجون معلّمين فلا يرون إلاّ المال.
فالمشكلة الخطيرة التي تُهَدِّدُ هوية المستعربين بصفة عامة, المثقف منهم والتلميذ على حدٍّ سواء, هي الأنانية, يعني طغيان المصلحة الشّخصية دائما على المصلحة العامة, والتي لا بُدّ من ذكرها, فالقضية تشملنا جميعا, وما أُبّرِئ نفسي, فنجاح أي مشروع مرهون بإخلاص هيئة التدريس, وإخلاص المعلمين أولا, وكدليل على ذلك, هو ارتفاع مستوى بعض المدارس التي لها إمكانيات بسيطة على بعض المدارس التي لها إمكانيات لا بأس بها.
ويمكن تلخيص مظاهر الفساد الإداري إلى نقاط تندرج تحت العملية الاستبدادية.
القرآن الكريم يَحُثُّ على مبدإ الشورى في العمل الجماعي, لذا لا يتم حسن تسيير المدرسة من رأي فردي فقط, فنجاح المؤسسات التعليمية أو التجارية مرهون بتبادل التجارب والخبرات بين المدير وعُمَلائه, فما استبد شخص بشركة أو مدرسة إلاّ نزلت في الحضيض, كما أن المدارس تؤسَّسُ من قبل أفراد ويتم تسييرها من طرف مؤسسيها, فصاحب المدرسة يُسمى بالمـُدير حتى إن لم تكن له كفاءة علمية, ولكن إذا شعر بعدم كفاءته يستعين بمن له كفاءة, فيسمى ذلك الكُفْءُ بمـُدير التعليم, فلم تعد المدارس خاضعة للمراقبة, والمدير ليس مقيَّدًا, فالذي يقيده هو إيمانه فقط, وهذا مما جعل البعض منهم لا يتورع في أكل أموال الناس بغير حق, فيهتم بحاجاته الشخصية, وقد يتهاون أيضا في أداء أجرة المدرِّس؛ هذا التصرُّف جعل المدرِّس لا يهتم بالمدرسة, وهو بدوره أيضا لا يؤدي وظيفته كما ينبغي, فعدم إيماننا هو الذي حملنا على تصرفات يندى لها الجبين, هنا لا أُعمِّم, حيث يوجد من المديرين من يَحرم نفسه من الأجرة أعني الرسوم المحصلة لصالح المدرِّس, ويشهد المدرسون على ذلك. وقدّموا الغالي والنفيس لأجل المجتمع, شكر الله سعيهم, هم من الذين ذكرهم الله في قوله تعالى:ﭽ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥﭼ [ الأحزاب: ٢٣ ].لا نغمط حقّهم, ونقول لهم قول الله تعالى: ﭽ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﭼ [محمد: ٤]. وجهاد هؤلاء جهاد بالعقول وهو لا يقلُّ درجة عن الجهاد بالأرواح والنّفوس, وقد رأينا مدارس مثالية من النّاحية الاقتصادية والإدارية, ولكن ما لبثت أن سقطت. لماذا؟ لأنّ المدير عادة ما يستبد بجميع مرافق المدرسة, وتظهر لنا هذه العملية الاستبدادية في:
1- احتكار الكتب:
إن الأمر المؤلم الذي تذوب منه القلوب الحية كمدا, في هذه الظروف الصعبة والمحرجة, خاصة وقت ندرة الكتب والمراجع, وأخص بالذكر المكتبات, هو ظاهرة احتكار الكتب, وهذا الأمر لا يجادل فيه اثنان ممن يعايش الواقع, فقد تأتي بعض الكتب من الدول العربية والإسلامية, أو من وزارة التربية, أو جمعية الدعوة الإسلامية العالمية لتُوزّع على المدارس فبعض المديرين يدَخِّرُون هذه الكتب ولا يظهرونها إلى النّور, ولا يوزعونها على التلاميذ لكي يستفيدوا منها, فعوض أن تُجمَع لتُكوّن بها مكتبة للمدرسة, تُكَدَّس في المنازل, لتصبح زينة للخزانة, ومسرحا للفئران, فلا يستفيدون ولا يتركون للآخرين فرصة الاستفادة, هذه الظاهرة نتيجة للمرض الذي أشرنا إليه سابقا, ألا وهو الأنانية التي تتنافى مع الإيمان وحب الخير للآخرين, والبعض كذلك يوزّعها على التلاميذ, فيستفيدون منها ثمّ يُرجعونها في نهاية السنة الدراسية, ليستفيد منها الذين يأتون من بعدهم.
2- بيع المنح الدراسية:
إنّ شيوع بعض التصرفات التي يندى لها الجبين, وتأباها النّفوس الكريمة, وتُعَدّ خروجا عن الفطرة الإنسانية السليمة, دليل على قلّة الإيمان, والأمر يتعلق هنا بالمنح الدراسية, يعني منحة الالتحاق بالجامعة, وتأتي غالبية هذه المنح من الدول العربية, وخاصة دول الخليج, فالأولوية للمستحق, ولكن الواقع خلاف ذلك, إذ تعطى هذه المنح لذوي المستويات الضعيفة من أرباب الأموال, فيتحصل الطالب على المنحة الدراسية بمبلغ يقدِّمه إلى جهة معيّنة, ويُقصى الفقير المجتهد, وإنّ هذا عين القضاء على التعليم , ودليل على عدم إخلاصنا له, إنّ المنح تشترى بالمال, ولكن العلم لا يشترى ولا يُوهَب بل يُكتسَب, ولكن في الحقيقة, قد يكون لبيع المنح تبريرات محتملة, وهي:كون رسوم المدارس لا تكفي للقيام بالتكاليف المطلوبة للمدرسة وغياب المساعدات المادية للمدرسة, سواء من الداخل أم من الخارج، فيضطر لبيع المنح ليطور المدرسة منها.
إنّ ظاهرة الاستبداد لم تَعُد خافية, ولكن السؤال المطروح, ما هي الأسباب التي فرضت ذلك ؟ أليست هذه التصرفات قد تكون لها تبريراتها التي تجعل من حق المدير أن يستبدّ بالمدرسة بأكملها, كتحمّلهم كلّ تكاليف المدرسة؟ فعندما يصبح المردود قويا يؤثرون أنفسهم, غير أن هذه التبريرات ليست حجّة, فقد ثبت أنّ كثيرا من المدارس المثالية سقطت باستبداد المدير, إذن فالمدير نفسه سيسقط.
ثالثا ــ غياب التعاون بين المديرين:
القرآن الكريم يؤكد على مبدإ التعاون, وهو يلعب دورا أساسيا في تقدُّم المجتمعات والمؤسسات وتطويرها, وبالتعاون تكون النتائج مُثمرة, ولكن رغم كلّ هذا نرى فكرة التعاون والعمل الجماعي غائبة عن المؤسسات التعليمية في دولتنا, فهذا مما يزيد من مُعاناة المدارس, فإدارة كل مدرسة تُسَيّر شؤونها دون تعاون مع غيرها, وهذا يسبب عراقيل في سيرها وتطورها. فما المانع من التعاون؟ الجواب هو الذي سبق الإشارة إليه سابقا, يعني حبّ الذات التي تعبّر عن الأنانيّة التي كلفتنا الكثير ولا يزال الأمر كذلك, فأصبح كلّ مدير يسعى لتطوير مدرسته دون أن يهتم بالمؤسسات الأخرى, وكثيرا ما إذا سنحت الفرصة للمساعدات الخارجية فبعض المديرين يَسُدُّ الطريق في وجه المدارس الأخرى, وهكذا تطغى المنافع الشخصية على المصالح العامة.
من حق كلّ مدير أن يهتم بمدرسته اهتماما بالغا, وفي نفس الوقت يتعاونون فيما بينهم, ليعُمَّ النفع.
التعاون شيء ضروري وأكيد ولكن على ماذا يتعاونون؟ يتعاونون لإيجاد خطة عملية؛ لكون أكثر المدارس ليست لديها خطة عملية تسير على هداها, وهذا ما أشار إليه الخضر. ولماذا ليست لديها خطة عملية؟ لأنها لا تسير وفق أهداف مهددة, بل أغلبها تنتشر كالفطريات.
والدليل الذي يثبت صحة عدم التعاون الجاد هو: أنّ جمعية اتحاد المدارس لم تستطع إنشاء كلية على الأقل, وهذا أضعف الإيمان, ولو خططت جمعية اتحاد المدارس لإنشاء كليّة بحيث تشترك في إنشائها كل المدارس لكان الأمر سهلا بالنسبة إليهم, ودليل ذلك أنّ دار القرآن والحديث بطوبى فتحت كلية لوحدها وإن كان متواضعا, فكيف يعجز اتّحاد المدارس عن ذلك؟
مدينة سيقو التاريخية التي أُسِّست فيها أول مدرسة أهلية عام 1947م, قبل زمن مغادرة الفرنسيين دولة مالي 1960م ظهرت مشكلة التعليم في سيقو منذ ذلك الحين, يعني عند نشأتها فعندما أنشأ المشايخ مدرسة لم يلبثوا حتى اختلفوا فيها وتفرقوا, ولكن مع الأسف الشديد حتى إلى يومنا هذا لم تستطع مدرسة أن تُكَوِّن ثانوية, ولا المدارس بأكملها, لذلك سماه البعض بالفاضحة, فالثانوية موجودة في كل الأقاليم, وعاصمة الإقليم لا تتوفر فيها ولو ثانوية واحدة, هذا عيب والله!, وكيف يشرح صدورنا وقد جُبلنا على الأثرة, فقد آن أوان الإشفاق على مجتمعنا وعلى طلبة العلم الذين ينتمي غالبيتهم إلى الطبقة الفقيرة, وأن ننظر إلى مصلحة المجتمع والأمة, فمن يفعل ذلك فلن يضل الله أعماله وآماله,
رابعا ــ صعوبة تطبيق المنهج الجديد:
المنهج الجديد الذي تم إعداده في السنوات الأخيرة وذلك بتعاون الحكومة مع بعض المتخرجين, لوضع برنامج وطني, وهذا البرنامج متطور نوعا ما, ولكن تطبيق المنهج في أرض الواقع شيء آخر, فالخلل الذي ظهر هو صعوبة تطبيق المنهج, لقلة كتب المراجع، وقد أكّد على ذلك الأساتذة , البرامج على العموم لو طبقت كما ينبغي لا شك أنها تؤتي أكلها في المستقبل ولكن تطبيق المنهج لا يمكن إلاّ إذا توفرت الوسائل. فتدل هذه الأقوال على عدم تطبيق المنهج لدى كثير من المدارس.
يرجع سبب صعوبة تطبيق المنهج إلى ندرة المراجع والكتب, وبناء على هذا يمكن لنا القول إن المنهج الجديد لم ير النور حتى الآن, إِذْ لا فائدة من وجود منهج لا يمكن تطبيقه, وكيف يكون المنهج جيدا ولا توجد مراجعه في المتناول, فرأي القائلين إنّ المنهج جيد رأي مُحترم, إلاّ أنه يظهر ع**** ذلك؟ لأنّ الحكم على الشيء يتطلب منا النّظر إليه من عدة جوانب, فمنها: النّظر إلى المحتوى, لنتحقق من قيمته, والنّظر كذلك إلى مدى إمكانية تطبيق الفكرة على أرض الواقع.
فيبدو أنّ المنهج الجديد, أصبح كمجهودات ضائعة, ما لم تتوَفَّر المراجع لتسهيل التّطبيق, لذلك يظهر أنّ مشكلة المنهج ما زالت قائمة, لأنّ المدارس التي لا تملك إمكانيات كبيرة ما زالت تكتفي بالكتب المتاحة لديها لتُكَوِّن منها منهجها ومقرراتها الدّراسية.
فبناء على ما سبق يمكن القول في النهاية إنّ التعليم العربي الإسلامي في مالي بصفة عامة, يمُـرّ اليوم على أصعب الظروف في تاريخ وجوده, لعدم كفاية الموارد المالية له, وبالإضافة إلى عدم التّنسيق المحكم بين المدارس التّعليمية, وكذلك عدم وجود خطة عملية تسير عليها, بالإضافة إلى ندرة الكتب والمراجع للمنهج الجديد بغَضّ النّظر عن محتواه, كل هذه العوامل جعلتْ مُؤَشِّر التعليم العربي في مالي في حالة هبوط مستمر.