المبحث الأول: دخول اللغة والوضع الحالي للمدارس العربية الإسلامية
المطلب الأول: دخول اللغة العربية إلى مالي وأثرها الثّقافي على تمبكتو:
جمهورية مالي دولة غير ساحلية تقع في غرب إفريقيا مساحتها تُقَدَّر ب 1,241,238 كلم تقريبا, ويُقدر عدد سكانها ب 14,5 مليون نسمة, ونسبة المسلمين تصل إلى مابين 90 ـــ 95 % عاصمتها بماكو, وتنقسم جمهورية مالي إلى ثمانية أقاليم, وتحُدّها شمالا عمق الصحراء الكبرى, وقد أقيمت على أرضها ثلاث امبراطوريات, وهي: مملكة غانا وكانت عاصمتها كمبي صالح وتُعتبر أقدم امبراطورية في غرب إفريقيا, دخلها المرابطون نحو عام 1076م, ومالي, وأتت التسمية منها, وصونغاي, واستقدم ملوكها الذين اعتنقوا الإسلام نحو عام 1010م المثقفين والتجّار من المغاربة العرب والبربر إلى كوكيه وغاو, وكانت جنوب الصحراء (غرب إفريقيا) مركزا تجاريا تتردّد عليه القوافل التّجارية القاطعة للصّحراء الكبرى, وكان التُجّار من أصول بربرية وعربية.
ودخل الإسلام إلى غرب إفريقيا في وقت مبكر, وذلك بعد عام 46هـ على الأرجح، وهي الفترة التي وصلت فيها طلائع المسلمين بقيادة عقبة بن نافع إلى إقليم كوار. فقصّة دخول الإسلام إلى مالي تطول, فالكثيرون يؤرخون له بالقرن الرابع الهجري, وهو مستبعد, للأدلة التالية: « السنة التي حكم فيها عتبة بن أبي سفيان على مصر وهي سنة ثلاث وأربعين: (...) وفيها افتَتَح عقبة بن نافع الفهري كوراً من بلاد السودان ووردان من بلاد برقة». كما أشار عبد القادر إلى دخول الإسلام غرب إفريقيا في وقت مبكّر حيث قال: « فقد وصل الإسلام إلى غرب إفريقيا في وقت متقدّم وذلك نتيجة للعلاقات المتواصلة منذ القديم على ما يبدو بين شعوب مصر وبلدان المغرب العربي من ناحية والبلدان الإفريقية إلى الجنوب من الصحراء الكبرى من ناحية أخرى ( فقد ذكر ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" أنّ عقبة بن نافع يكون قد أرسل وهو في منطقة برقة مفرزة استكشافية من جيشه باتّجاه الجنوب وصلت إلى المناطق الجبلية واتصلت بالسكان, وقد حقق الأستاذ برنشويك BRONSCHWICK فأثبت في أبحاثه أنّ تلك المنطقة هي جبال (الطومو) في جمهورية النيجر الحالية فإذا صحّت هذه الرواية يكون الإسلام قد وصل إلى الجنوب من الصحراء [ يعني غرب إفريقيا حاليا] مع بدايات وصوله إلى بلدان المغرب العربي ».
أكّد أحمد محمد سالم على دخول العرب غرب إفريقيا فيما بين القرنين الأول والثالث الهجريين,كتجّار استجلبوا العلماء من دول الشمال العربية, وكذلك الكتبة والأئمة والقضاة, ولم يستتب لهم الأمر إلاّ في القرنين الخامس والسادس الهجريين, عندما اعتنق أمراء تلك البلاد الإسلام. وقال: «إنّ العرب الذين يعيشون حاليا كمجموعات كبرى في شمال مالي (تمبكتو وغاوو) هم من بني حسان, من أصول القبائل التي تحدرت من صعيد مصر (...) ( بني سليم وهلال ومعقل وعامر ) ».
كلّ هذه الأدلة تُؤكّد دخول الإسلام في مالي في وقت مبكر, بعد دخوله شمال إفريقيا,يعني الجزائر والمغرب, فمن المسلم به أنّ مملكة غانة كانت مركزا تجاريا, لذا يُستبعد تردّد التجّار ـــ العرب والبربرـ على المنطقة لمدة ثلاثة قرون دون أن ينشروا دين الإسلام.
ويظهر ممّا سبق أنّ الفئات التي ساهمت في انتشار الإسلام واللغة العربية في مالي تتمثل في أربع فئات وهي: طائفة الفاتحين, وأصحاب الطرق الصوفية, والتجَّار المتجوِّلون, وهم من أهمّ الطوائف التّي نشرت الإسلام في غرب إفريقيا، بحيث استجلبوا معهم العلماء إلى المنطقة, الدُّعاة والمعلِّمون.كل هذه الفئات ساهمت في نشر الإسلام واللغة العربية التي تحل أينما حل المسلمون, وكان لكل واحد من هذه الفئة جهود صادقة, فكانوا قدوة يدعون الناس بأخلاقهم قبل أقوالهم, فأنشئوا المساجد والمدارس في غرب إفريقيا, لتعليم الناس أمور دينهم, ولم يتوقّف الأمر في هذا الحد بل سعى النّاس إلى التفقه في الدين واللغة.
وكان لهم التأثير الكبير في دولة مالي, وكدليل على ذلك هو ظهور مدينة تمبكتو التي بلغت الحضارة الإسلامية أوجها في القرن السادس عشر الميلادي. فأصبحت المركزَ الأوّل للثّقافة العربية الإسلامية في السودان الغربي كلّه في القرن السادس عشر الميلادي؛ فقصدها جم غفير من العلماء والطلبة. فاحتوت تمبكتو في تلك الأثناء يعني القرن السادس عشر على ثلاثة مساجد كبيرة جوامع (جامع سنكورى, وقد بنته سيدة فاضلة من الموسرات, وجامع دنفريير, قد بناه في الأصل أحد الأندلسيين لِكَانْكان موسى صاحب مالي, ومسجد سيدي يحيى) , وكانت هذه المساجد والجوامع مراكز للتعليم كما هو الحال في بلاد المغرب والمشرق العربي, ووُجِد في تمبكتو التعليم العالي, المعروف في النظام الحالي بالمرحلة الجامعية, ولم يكن التعليم يتم بالعشوائية بل كان منظّما ووفق منهج قار. وعرفت مدينة تمبكتو خلال القرن السادس عشر نظام الشهادات, أي الإجازات كما عرفته البلاد الإسلامية الأخرى.
ومما يدل على التمكن في العلم, بروز علماء وفقهاء كتبوا المؤلفات وأجادوا, فعلى سبيل المثال,
العالم (أحمد بابا التمبكتي) المسمّى بعالم التّكرور, (963ــــ 1036هـ/ 1556ــ1627م) فقيه مالكي، ومن مؤرخي التراجم في السودان الغربي في القرن العاشرـــ الحادي عشر للهجرة/ السادس عشر- السابع عشر للميلاد, جلس للتّدريس عندما بلغ الثلاثين من عمره وألّف الكثير من الكتب في ميادين النّحو والفقه والتراجم بالخصوص, وبلغت مؤلفاته أكثر من خمسين كتابا, منها (النّكت المستجادة) وهو في النّحو, إلاّ أن أهم هذه المؤلفات كتابه في التراجم المسمى بـ" نيل الابتهاج بتطريز الديباج " الذي جعله ذيلاً لكتاب "الديباج المذهّب في معرفة أعيان المذهب" لابن فرحون المتوفى 799هـ/ 1397م وهو يضم 830 ترجمة لعلماء المالكية في المغرب العربي الإسلامي، ممن لم يأت على ذكرهم ابن فرحون. وأكبر مركز للمخطوطات في مالي مكتبة (مركز أحمد بابا) في تمبكتو, وهي تضم حوالي عشرين ألف مخطوطة وأغلبها خاصة بالعلوم الإسلامية. وتمّ اختيارها عاصمةً للثقافة الإسلامية عن القارة الإفريقية في عام 2006م.
المطلب الأول: دخول اللغة العربية إلى مالي وأثرها الثّقافي على تمبكتو:
جمهورية مالي دولة غير ساحلية تقع في غرب إفريقيا مساحتها تُقَدَّر ب 1,241,238 كلم تقريبا, ويُقدر عدد سكانها ب 14,5 مليون نسمة, ونسبة المسلمين تصل إلى مابين 90 ـــ 95 % عاصمتها بماكو, وتنقسم جمهورية مالي إلى ثمانية أقاليم, وتحُدّها شمالا عمق الصحراء الكبرى, وقد أقيمت على أرضها ثلاث امبراطوريات, وهي: مملكة غانا وكانت عاصمتها كمبي صالح وتُعتبر أقدم امبراطورية في غرب إفريقيا, دخلها المرابطون نحو عام 1076م, ومالي, وأتت التسمية منها, وصونغاي, واستقدم ملوكها الذين اعتنقوا الإسلام نحو عام 1010م المثقفين والتجّار من المغاربة العرب والبربر إلى كوكيه وغاو, وكانت جنوب الصحراء (غرب إفريقيا) مركزا تجاريا تتردّد عليه القوافل التّجارية القاطعة للصّحراء الكبرى, وكان التُجّار من أصول بربرية وعربية.
ودخل الإسلام إلى غرب إفريقيا في وقت مبكر, وذلك بعد عام 46هـ على الأرجح، وهي الفترة التي وصلت فيها طلائع المسلمين بقيادة عقبة بن نافع إلى إقليم كوار. فقصّة دخول الإسلام إلى مالي تطول, فالكثيرون يؤرخون له بالقرن الرابع الهجري, وهو مستبعد, للأدلة التالية: « السنة التي حكم فيها عتبة بن أبي سفيان على مصر وهي سنة ثلاث وأربعين: (...) وفيها افتَتَح عقبة بن نافع الفهري كوراً من بلاد السودان ووردان من بلاد برقة». كما أشار عبد القادر إلى دخول الإسلام غرب إفريقيا في وقت مبكّر حيث قال: « فقد وصل الإسلام إلى غرب إفريقيا في وقت متقدّم وذلك نتيجة للعلاقات المتواصلة منذ القديم على ما يبدو بين شعوب مصر وبلدان المغرب العربي من ناحية والبلدان الإفريقية إلى الجنوب من الصحراء الكبرى من ناحية أخرى ( فقد ذكر ابن عبد الحكم في "فتوح مصر" أنّ عقبة بن نافع يكون قد أرسل وهو في منطقة برقة مفرزة استكشافية من جيشه باتّجاه الجنوب وصلت إلى المناطق الجبلية واتصلت بالسكان, وقد حقق الأستاذ برنشويك BRONSCHWICK فأثبت في أبحاثه أنّ تلك المنطقة هي جبال (الطومو) في جمهورية النيجر الحالية فإذا صحّت هذه الرواية يكون الإسلام قد وصل إلى الجنوب من الصحراء [ يعني غرب إفريقيا حاليا] مع بدايات وصوله إلى بلدان المغرب العربي ».
أكّد أحمد محمد سالم على دخول العرب غرب إفريقيا فيما بين القرنين الأول والثالث الهجريين,كتجّار استجلبوا العلماء من دول الشمال العربية, وكذلك الكتبة والأئمة والقضاة, ولم يستتب لهم الأمر إلاّ في القرنين الخامس والسادس الهجريين, عندما اعتنق أمراء تلك البلاد الإسلام. وقال: «إنّ العرب الذين يعيشون حاليا كمجموعات كبرى في شمال مالي (تمبكتو وغاوو) هم من بني حسان, من أصول القبائل التي تحدرت من صعيد مصر (...) ( بني سليم وهلال ومعقل وعامر ) ».
كلّ هذه الأدلة تُؤكّد دخول الإسلام في مالي في وقت مبكر, بعد دخوله شمال إفريقيا,يعني الجزائر والمغرب, فمن المسلم به أنّ مملكة غانة كانت مركزا تجاريا, لذا يُستبعد تردّد التجّار ـــ العرب والبربرـ على المنطقة لمدة ثلاثة قرون دون أن ينشروا دين الإسلام.
ويظهر ممّا سبق أنّ الفئات التي ساهمت في انتشار الإسلام واللغة العربية في مالي تتمثل في أربع فئات وهي: طائفة الفاتحين, وأصحاب الطرق الصوفية, والتجَّار المتجوِّلون, وهم من أهمّ الطوائف التّي نشرت الإسلام في غرب إفريقيا، بحيث استجلبوا معهم العلماء إلى المنطقة, الدُّعاة والمعلِّمون.كل هذه الفئات ساهمت في نشر الإسلام واللغة العربية التي تحل أينما حل المسلمون, وكان لكل واحد من هذه الفئة جهود صادقة, فكانوا قدوة يدعون الناس بأخلاقهم قبل أقوالهم, فأنشئوا المساجد والمدارس في غرب إفريقيا, لتعليم الناس أمور دينهم, ولم يتوقّف الأمر في هذا الحد بل سعى النّاس إلى التفقه في الدين واللغة.
وكان لهم التأثير الكبير في دولة مالي, وكدليل على ذلك هو ظهور مدينة تمبكتو التي بلغت الحضارة الإسلامية أوجها في القرن السادس عشر الميلادي. فأصبحت المركزَ الأوّل للثّقافة العربية الإسلامية في السودان الغربي كلّه في القرن السادس عشر الميلادي؛ فقصدها جم غفير من العلماء والطلبة. فاحتوت تمبكتو في تلك الأثناء يعني القرن السادس عشر على ثلاثة مساجد كبيرة جوامع (جامع سنكورى, وقد بنته سيدة فاضلة من الموسرات, وجامع دنفريير, قد بناه في الأصل أحد الأندلسيين لِكَانْكان موسى صاحب مالي, ومسجد سيدي يحيى) , وكانت هذه المساجد والجوامع مراكز للتعليم كما هو الحال في بلاد المغرب والمشرق العربي, ووُجِد في تمبكتو التعليم العالي, المعروف في النظام الحالي بالمرحلة الجامعية, ولم يكن التعليم يتم بالعشوائية بل كان منظّما ووفق منهج قار. وعرفت مدينة تمبكتو خلال القرن السادس عشر نظام الشهادات, أي الإجازات كما عرفته البلاد الإسلامية الأخرى.
ومما يدل على التمكن في العلم, بروز علماء وفقهاء كتبوا المؤلفات وأجادوا, فعلى سبيل المثال,
العالم (أحمد بابا التمبكتي) المسمّى بعالم التّكرور, (963ــــ 1036هـ/ 1556ــ1627م) فقيه مالكي، ومن مؤرخي التراجم في السودان الغربي في القرن العاشرـــ الحادي عشر للهجرة/ السادس عشر- السابع عشر للميلاد, جلس للتّدريس عندما بلغ الثلاثين من عمره وألّف الكثير من الكتب في ميادين النّحو والفقه والتراجم بالخصوص, وبلغت مؤلفاته أكثر من خمسين كتابا, منها (النّكت المستجادة) وهو في النّحو, إلاّ أن أهم هذه المؤلفات كتابه في التراجم المسمى بـ" نيل الابتهاج بتطريز الديباج " الذي جعله ذيلاً لكتاب "الديباج المذهّب في معرفة أعيان المذهب" لابن فرحون المتوفى 799هـ/ 1397م وهو يضم 830 ترجمة لعلماء المالكية في المغرب العربي الإسلامي، ممن لم يأت على ذكرهم ابن فرحون. وأكبر مركز للمخطوطات في مالي مكتبة (مركز أحمد بابا) في تمبكتو, وهي تضم حوالي عشرين ألف مخطوطة وأغلبها خاصة بالعلوم الإسلامية. وتمّ اختيارها عاصمةً للثقافة الإسلامية عن القارة الإفريقية في عام 2006م.